الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
لاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ إِلاَّ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ، أَوْ فِي السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، أَوْ فِي الْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، مَعَ عَدَمِ الْكَاتِبِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ شَرْطٌ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الْحَضَرُ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَهُ الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ دِرْعَهُ لَمَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهَا طَعَامًا لأََهْلِهِ فإن قيل: قَدْ رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ شَعِيرًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَجَلٍ. قلنا: وَلاَ فِيهِ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ، وَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ مِنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ، لأََنَّهُ تَطَوُّعٌ مِنْ الرَّاهِنِ حِينَئِذٍ، وَالتَّطَوُّعُ بِمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ حَسَنٌ. فَإِنْ ذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فِي بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ إلَى يَهُودِيٍّ لِيُسَلِّفهُ طَعَامًا لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِ فَأَبَى إِلاَّ بِرّهنَّ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. فَهَذَا خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلاَّ مَقْبُوضًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّهْنَ عِنْدَ ثِقَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ قَبْضًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةَ، وَالْحَكَمُ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَلَيْسَ مَقْبُوضًا. قَالَ سُفْيَانُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ. قال أبو محمد: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ مَعَ ذِكْرِهِ الْمُتَدَايِنَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَى أَجَلٍ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ وَإِنَّمَا أَقْبِض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّرْعَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ فَهُوَ الْقَبْضُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا قَبْضُ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَقْبِضَهُ فُلاَنٌ لاَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ. وَرَهْنُ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ مِنْ شَيْءٍ مُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ لاَ يَنْقَسِمُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مَشَاعًا مِنْ مَقْسُومٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ, وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ: لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ لاَ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ، وَلاَ عِنْدَ غَيْرِهِ. وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ اثْنَانِ أَرْضًا مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا عِنْدَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَمَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْهَنَ الْمَرْءُ أَرْضَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ دَايَنَهُمَا دَيْنًا وَاحِدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إجَازَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لاَ يَنْقَسِمُ إِلاَّ مِنْ الشَّرِيكِ فِيهِ وَحْدَهُ، فَأَجَازَهُ لَهُ. وَهَذِهِ تَخَالِيطُ وَمُنَاقَضَاتٌ لاَ خَفَاءَ بِهَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي الْمُشَاعِ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْبَيْعَ لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ فِي الْمُشَاعِ، فَالْقَبْضُ عِنْدَهُمْ مُمْكِنٌ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ اشْتَهَوْا، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالْقَبْضُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَهَوْا، وَهُوَ الرَّهْنُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا يُقْبَضُ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ يُقْبَضُ فِي الرَّهْنِ، وَلاَ فَرْقَ. وَصِفَةُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ: هُوَ أَنْ يُطْلِقَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ نَقَلَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَمَا كَانَ مِمَّا لاَ يُنْقَلُ كَالدُّورِ، وَالأَرْضِينَ أُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَى ضَبْطِهِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْبَيْعِ، وَمَا كَانَ مُشَاعًا كَانَ قَبْضُهُ لَهُ كَقَبْضِ صَاحِبِهِ لِحِصَّتِهِ مِنْهُ مَعَ شَرِيكِهِ، وَلاَ فَرْقَ وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ لاَ يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ لَكَانَ الشَّرِيكَانِ فِيهِ غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ، وَلَوْ كَانَا غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ لَكَانَ مُهْمَلاً لاَ يَدَ لأََحَدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُكَذِّبُهُ الدَّيْنُ، وَالْعِيَانُ: أَمَّا الدَّيْنُ: فَتَصَرُّفُهُمَا فِيهِ تَصَرُّفُ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ وَأَمَّا الْعِيَانُ: فَكَوْنُهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مُدَّةٌ يَتَّفِقَانِ فِيهَا، أَوْ عِنْدَ مَنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ: كَالْحُرِّ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْكَلْبِ، وَالْمَاءِ، لأََنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِيَنْتَصِف إنْ مَطَلَ، وَلاَ يُمْكِنُ الأَنْتِصَافُ لِلْغَرِيمِ إِلاَّ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَمَنَافِعُ الرَّهْنِ كُلُّهَا لاَ تَحَاشٍ مِنْهَا شَيْئًا لِصَاحِبِهِ الرَّاهِنِ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَلاَ فَرْقَ حَاشَا رُكُوبِ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ، وَحَاشَا لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إِلاَّ أَنْ يُضَيِّعَهُمَا فَلاَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا. وَيُنْفِقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ: رُكُوبُ الدَّابَّةِ، وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ، بِمَا أَنْفَقَ لاَ يُحَاسَبُ بِهِ مِنْ دَيْنِهِ كَثُرَ ذَلِكَ أَمْ قَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الرُّكُوبُ، وَالأَحْتِلاَبُ خَاصَّةً، لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَى الْمَرْكُوبِ، وَالْمَحْلُوبِ: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ: النَّفَقَةُ وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الأَمْوَالِ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَالرَّهْنُ بِلاَ شَكٍّ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَدَا الرَّاهِنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الأَرْتِهَانِ، فَدَخَلَ بِهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ وَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ عَدَاهُ بِالنَّصِّ الآخَرِ. قال أبو محمد: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَالْمَعْقُولَ: أَمَّا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فَمَنْعُهُ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ مَنَافِعِ مَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا خِلاَفُ الْمَعْقُولِ: فَإِنَّنَا نَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ أَتُؤَاجَرُ وَيُصْلِحُ مَا هِيَ فِيهَا، أَمْ تُهْمَلُ وَتَضِيعُ وَيَخْرُجُ الْمُسْتَأْجِرُ لَهَا عَنْهَا وَعَنْ الأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ، أَتُحْرَثُ وَتُزْرَعُ، أَمْ تُهْمَلُ وَتُضَاعُ وَعَنْ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ أَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيُسْتَغَلُّ، أَمْ يَضِيعُ حَتَّى يَهْلَكَ وَعَنْ الأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ لِمَنْ تَكُونُ غَلَّتُهَا فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَضِيعُ: خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ لَهُمْ: قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَإِنْ قَالُوا: لاَ يَضِيعُ. قلنا: فَالْمَنَافِعُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ، وَالصُّوفِ، وَالثَّمَرَةِ لِمَنْ تَكُونُ فَإِنْ قَالُوا: تَكُونُ دَاخِلاً فِي الرَّهْنِ. قلنا لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إدْخَالُ مَالٍ مِنْ مَالِهِ فِي رَهْنٍ لَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِيهِ وَمَنْ أَمَرَ بِهَذَا فَلاَ سَمْعَ لَهُ، وَلاَ طَاعَةَ، وَلاَ نَعْمَى عَيْنٍ، لأََنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَهَذَا تَحْرِيمُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَإِبَاحَتُهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ . قلنا: نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ مِثْلُ قَوْلِنَا: وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ: صَاحِبُ الرَّهْنِ يَرْكَبُهُ، وَصَاحِبُ الدَّرِّ يَحْلُبُهُ، وَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَ، أَنَّهُ قَالَ: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ، وَمَحْلُوبٌ بِعَلَفِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِيمَنْ ارْتَهَنَ شَاةً ذَاتَ لَبَنٍ قَالَ: يَشْرَبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا، فَإِنْ اسْتَفْضَلَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رِبًا. قال أبو محمد: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ إبْرَاهِيمَ لاَ نَقُولُ بِهَا، وَعُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عِمْرَانَ رحمه الله بِرَأْيِهِ. وَلاَ مُخَالِفَ لأََبِي هُرَيْرَةَ هَاهُنَا مِنْ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُهُ. وقال الشافعي: جَمِيعُ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ بِذَلِكَ وَبِقَوْلِنَا فِي الرُّكُوبِ، وَالْحَلْبِ، إِلاَّ أَنَّهُ زَادَ الأَسْتِخْدَامَ، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ النَّصُّ، وَالْقِيَاسُ لاَ يُسْتَحَلُّ بِهِ الْمُحَرَّمُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَقَالَ إِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لاَ يَنْتَفِعُ الرَّاهِنُ مِنْ الرَّهْنِ إِلاَّ بِالدَّرِّ وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فِي الدُّورِ، وَالأَرْضِينَ، وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ وَالْعَرُوضِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمُنَاقَضَةٌ. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِغَرِيبَةِ وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي الْعَرُوضِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَقِيلَ لَهُ: وَهُوَ فِي الْعَقَارِ كَذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ مُؤَاجَرَةِ الرَّهْنِ، وَمِنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ثُمَّ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ فَأَبَاحُوا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَأَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَمْ يَرَوْهُ بِذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيه مِنْ الْبُرْهَانِ، وَلأََنَّنَا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلرَّهْنِ. قلنا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ: أَمَّا فِي الآخِرَةِ، فَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَالأَجْرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَلأََنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَطَلَ بِالْإِنْصَافِ بِيعَ الرَّهْنُ وَتَعَجَّلَ الْمُرْتَهِنُ الأَنْتِصَافَ مِنْ حَقِّهِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ تُرِيدُونَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَنَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْقَمْحُ بِالْقَمْحِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَهَذِهِ اعْتِرَاضَاتٌ بِسُوءِ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا وَلَيْسَ إِلاَّ الأَئْتِمَارُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْجُرْأَةِ، أَوَّلُ ذَلِكَ: إنَّ هَذَا خَبَرٌ لَيْسَ مُسْنَدًا، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا: فَإِنَّ فِيهِ لَفْظًا مُخْتَلِفًا لاَ يُفْهَمُ أَصْلاً، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهَا وَتُرْكَبُ، وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ لَنَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ، فَالتَّخْلِيطُ مِنْ قِبَلِهِ، لاَ مِنْ قِبَلِ هُشَيْمٍ فَمَنْ فَوْقَهُ، لأََنَّ حَدِيثَ هُشَيْمٍ هَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الَّذِي هُوَ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ هُشَيْمٍ وَأَضْبَطُهُمْ لَهُ فَقَالَ:، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ فِيمَا زَعَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّهْنُ يُرْكَبُ وَيُعْلَفُ، وَلَبَنُ الدَّرِّ إذَا كَانَ مَرْهُونًا يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُهُ النَّفَقَةُ وَالْعَلَفُ. وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ: فَإِذْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الرِّبَا وَبِالنَّهْيِ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً: فَقَدْ كَذَبَ، وَأَفِك، وَمَا لِلرِّبَا هَاهُنَا مَدْخَلٌ أَصْلاً وَلَوْ أَنَّهُمْ اتَّقُوا الرِّبَا لَمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ جِهَارًا إذْ أَبَاحُوا التَّمْرَتَيْنِ بِالأَرْبَعِ تَمَرَات، وَإِنْ كَانَتْ الأَرْبَعُ أَكْبَرَ جِسْمًا، وَأَثْقَلِ وَزْنًا. وَإِذْ أَبَاحَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمًا فِيهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ بِدِرْهَمِ فِيهِ دِرْهَمٌ غَيْرُ ثَمَنٍ. وَإِذْ أَبَاحُوا كُلُّهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ غَائِبَةٍ فِي الذِّمَّةِ. فَهَذَا هُوَ الرِّبَا حَقًّا لاَ انْتِفَاعُ الرَّاهِنِ بِمَالِهِ، وَلاَ انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّرِّ، وَالرُّكُوبِ الْمُبَاحَيْنِ لَهُ بِالنَّصِّ مِنْ أَجْلِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّاهِنُ مِنْ رَهْنِهِ بِشَيْءِ قَالُوا: وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَتْرُكْهُ إِلاَّ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ فِي بِلاَدِهِمْ بَعْضَ الْعُذْرِ لَهُمْ، إذْ يَحْتَجُّونَ بِتَرْكِ الصَّاحِبِ لِمَا رُوِيَ حَتَّى أَتَوْنَا بِتَرْكِ السُّنَّةِ مِنْ أَجَلِ تَرْكِ الشَّعْبِيُّ لَهَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَخْذَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَئِنْ مَشَوْا هَكَذَا، لِيَكُونَنَّ تَرْكُ مَالِكٍ لِلأَخْذِ بِمَا رُوِيَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَلَيَكُونَنَّ تَرْكُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَهَكَذَا سُفْلاً حَتَّى يَكُونَ تَرْكُ كُلِّ أَحَدٍ لِلْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بَلَغَهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي رَدِّهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ إبْلِيسَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَلاَ كَرَامَةَ لأََحَدٍ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ عليه السلام الْحُجَّةُ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِمَنْ خَالَفَ مَا رُوِيَ عَنْ صَاحِبٍ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ الأَئِمَّةِ خَاصَّةً أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ النِّسْيَانُ أَوْ التَّأْوِيلُ الَّذِي أَخْطَئُوا فِيهِ قَاصِدِينَ لِلْخَيْرِ، فَيُؤْجَرُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ مُخَالَفَتِهِ عليه السلام كَافِرٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. قال أبو محمد: وَقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ: أَنْ لاَ يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءِ مِنْ الرَّهْنِ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لأََنَّهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. بَلْ قَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ: لاَ يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانُوا عَنَوْا الْمُرْتَهِنَ وَبِهِ نَقُولُ إِلاَّ الْحَلْبَ، وَالرُّكُوبَ إنْ أَنْفَقَ فَقَطْ، وَإِلَّا فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ، لأََنَّهُ مَالُهُ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَالُوا: إنْ مَرِضَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ، أَوْ أَصَابَتْ الْعَبْدَ جِرَاحَةٌ، أَوْ دَبَّرَتْ الدَّوَابُّ الْمَرْهُونَةُ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ سَوَاءً، فَالْعِلاَجُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْعِلاَجُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَهَذَا كَلاَمٌ يُشْبِهُ الْهَذَيَانَ إِلاَّ أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالاً مِنْ الْهَذَيَانِ، لأََنَّهُ عَلَى حُكْمٍ فِي الدَّيْنِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهَا بِقُرْآنِ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ بِرِوَايَةِ ضَعِيفَةٍ، وَلاَ بِقِيَاسِ، وَلاَ بِرَأْيِ سَدِيدٍ، وَلاَ بِقَوْلِ مُتَقَدِّمٍ.
|